"هذا عيبنا.. كلنا عقلاء، وطننا لن يسعد إلا متى كثرا مجانينه".
من وحي هذا الموجز الخالد، يطلّ على جاليتنا في هذا المغترب الأسترالي الشاعر شربل بعيني، صرخة وجدانية من رصد الواقع المجتمعي، الذي يحياه الانسان في بلادنا المعذبة.
"دعوة الى الجنون"
هي الدعوة الرسولية الى حقيقة خالدة، هي شعبنا الذي يعاني آلام جلجلة قاسية ، مردداً مع صرخة التاريخ: من جلب عليّ هذا الويل؟
"دعوة الى الجنون"، هي عنوان لحكاية، حكاية تاريخ يصنعه الانسان العقلاني الحضاري، الانسان الواعي والمؤمن بنفسه المجتمعية كطاقة فاعلة قادرة بإيمانها البطولي أن تبني الفضائل والقيم، وأن تزرع الثقة واليقين، فتخدم بذلك الوطن والمواطن، وتكون هذا التعافي الانساني الذي يشد المرء للتمسك بأمه الأرض ووالده المجتمع.
شعرك يا شربل هو قيمة، قيمة أدبية حيّة، لأن فيه ملامح من أدب الحياة، الأدب الملتزم بحياة الانسان، والمصارع من أجل عزه وبقائه وتقدّمه.
نعم شعرك من رصد الواقع، فهو صرخة مدويّة ترفض الذلّ لأنها تدعو إلى الوعي، والوعي هو هذه المقاومة، هذه الثورة في صيحاتك: صيحات النصر، مع من يعملونه ويبنونه ويصنعونه، مجانين، فجّر بهم هذا الجنون المميّز، شهيد شعب وأمة، علم هذا الوعي الجنوني لصنّاع الحياة.
أنت ابن بيئة أحوج ما تتطلب من شعرائها وأدبائها، وفنانيها، التخطيط لحياة جديدة، ورسم مثل عليا بديعة تعمل ضمناً للنهوض بالحياة، وبالنظر الى الحياة، وبإبراز أسمى وأجمل ما في كل حيز من فكر أو شعور أو مادة.
إن القلم الوفي الأمين مدعو دائماً ليتحدى سيف العدو المسلّط اللعين، فعلى كل العاملين في التراثيات أن يمتشقوا القلم سيفاً وحديداً وناراً في وجه المتآمرين على وحدة شعبنا، وحق نهوضه وارتقائه.
ولأن شعر الشاعر الأديب شربل بعيني ينمو ويتعافى في هذا الاتجاه التثقيفي الراقي، جئت في كلمتي هذه، كقارىء ومراقب لكتاباتك منذ حين، لأعبّر عن شعور وجداني نحو عينة طيبة، هي محطّة أدبيّة مهجريّة تبعث في روح جاليتنا صيحات الوعي لخلق جيل سيفتح عينيه على حقيقة، وفؤاده على حقّ جيل لا يحني لغير العلم رأساً، ولا يمد لغير المعرفة يداً. جيل يعرف أن بلاده كانت وستبقى المعلمة والهادية للإنسانية جمعاء.
بورك نتاجك.. وبوركت الشاعر والرجل المؤمن بالمعرفة والفضائل، المصارع في مغتربه سيدني أستراليا، والمساهم في صناعة تاريخ جالية عريقة، تساهم أيضاً بروح رسوليّة رياديّة في صناعة تاريخ أمّة مضيافة، فيها كل الفن، وكل العلـم، وكل الفلسفة. قيم هي المصباح الكبير الذي أضاء لنا طريق الحياة في غمرات الليل الطويل. إلى الأمام واسلم معافى لحقيقة وجودنا.
صوت المغترب العدد 892، 3/7/1986
**
شكراً للشاعر شربل بعيني
الحقيقة، وفي حضرة الكلمة، الكلمة المسافرة من هذا الوجدان الحي، الى وجدانكم الحي، وسفر هذه الكلمة سفر هادف ومعلم، لأن شعر شربل بعيني، وأدب شربل بعيني هو من أدب الحياة، ألأدب الملتزم بالشعب، الملتزم بالمجتمع، العامل أبداً بتجويد حياة الشعب والأمة، العامل أبداً نبراساً ونوراً يضيء دروب الأجيال الصاعدة.
فهذا الأدب كما وصفه ألأديب الكبير كامل المر، وأهلا به في ملبورن، هو قيمة، والقيمة هنا هي الخالدة، هي الباقية لأنها المعلّمة، لأنها الهادفة.
فشربل بعيني ابن مجدليّا، ابن لبنان، ابن الجبل، ابن الارز، ابن هذا المجتمع، هو شربل بعيني، هذا الوجدان الحي فيكم، هذه الكلمة الهادفة، وهذا الشعر الراقي، وهذه المحبة المتوّجة لكل هذه القيم.
فبالمحبة، كما وصفها عظماء من بلادي، وكما رددها الاستاذ المر في هذه الجلسة الشعرية الراقية الجميلة، نستطيع أن نبني موطننا، فلبنان لا يبنى إلا بالمحبّة، ونحن هنا لا نستطيع أن نبني جالية قادرة أن تمتشق لوبياً ثقافياً حضارياً مجتمعياً يليق بتراثياتنا إلا بالمحبّة.
أجمع كلمتي مع هذه النخبة من الأدباء، لنعمل بمحبة هادفة معلمة، لننهض ونخرج من محنتنا، ونعود الى الريادة، الى النور، حيث يليق بنا أن نكون. وشكراً لكم جميعاً، وشكراً لشربل بعيني.
أمسية شعرية في ملبورن 1988
**
شربل بعيني شراقيط حب يبشّر بفرح عظيم
كما ولا بتعبير او تجويد يمكن اعطاء الابداع حقه، كذلك، ولا ببلاغة أو عاطفة يمكنني شرح الانفعالات السعيدة التي غمرت قلبي وأنا أتلقى ديوانك الشيّق "معزوفة حب". إنه بالفعل رائعة جديدة تضاف إلى سجل عطاءاتك الطيبة.
رائعة، ترسم بالشعر ألواناً لا تجارى..
رائعة، تحمل مجموعة عطور لا يمكن لورودها أن تذبل.
ولأصدقك القول يا شربل، فقد قرأت كل قصيدة في معزوفتك الجديدة مرات ومرات، لا لأنني ضعيف في فهم القريض، وهو عندي أحب ما أنشد وأتغنى، بل لأنني وبكل بساطة كنت أسبح مع كل بيت في بحار الذكريات، فأضيع ضمن عالم مسحور، وأحلم به، وأعيش له منذ أن وعيت الحياة. فأنا عمري كله رهينة للحب.. الحب الذي لا يمكن أن بعذّب أحداً، ولا يظلم أحداً، لأنه أقباس من نور السماء، نسمات من روح الله. حب القيم والمناقب والأخلاق، حب أمي وأبي، حب أمتي ووطني، حب رفيقة عمري على دروب الصراع، حب الصراع، حب المعذبين والمحرومين والمظلومين، وحب كل ما رسمت أنامل الخالق من مفاتن وروائع.
وأخيراً، حب الحياة، التي أفديها بيوم واحد من عمر الشباب في وطني، حين كنت أختزن العواطف رهبة وخشوعاً، ويكاد لساني كلّما مرّ طيف الحبيبة يردد قولك في المعزوفة:
خايف قاّك إني بحبِّك
وتتكي قبالي.. ويوقف قلبِك
إفرشلك صدري وغطّيكي
وببوسه زغيره إحييكي
وتفرح فيّي نهاية دربِك
ما أروع هذا الضياع يا شربل وسط جنائن تعزف على أفنانها أوتار قلب طيّب كقلبك. إنه ضياع الهداية والتسبيح، بل هو الحلم الذي ألذّ ما في قساوته أن تضيع معه عن عالم يكاد أن يصبح الحب فيه خرافة ووهماً.
ترى أكنت تدرك، وأنت تهديني معزوفة حبّك، شوقي ولهفتي إلى عطاء منك جديد، يزيد إيماني بأنك قمّة فكرية تعد بفرح عظيم.
ترى أكنت تعرف وأنت تدفع إليّ هذا الديوان إنني أؤمن بك أديباً ملتزماً بقضيّة الوجود الإنساني، قضية الانسان الملهم النبيل.
أنت في معزوفتك الجديدة هذه، تؤكد من جديد أنك من أدباء "أدب الحياة"، وشعرك هو جوهر من حقيقة، في طياته عز ومجد وشموخ، والحياة كلها تساوي هذا العز والمجد والشموخ.
يا شربل، لقد أهديتني معزوفة حبّك، وبوّبت إهدائك بعاطفة صادقة من رقيق تعابيرك.. أما أنا فأهديك شكري ومحبتي وتمنياتي بأن تستمر في عطائك الخلاّق، لأنه في الحقيقة فخر نهضة ثقافية هادفة في جوهر حياتنا الاغترابية.
بوركت، وبوركن فيك العطاءات التي أقل ما يقال عنك وعنها:
الحب عهدو بينك وبيني
باقي عطر فوّاح بجنينه
يا شاعر الإبداع.. شو بكافيك
كبيره عليّي كتير هـ الدّينه؟
كل ما حملت معزوفتك رح قول:
يا ربّ خلّي شربل بعيني
علّنا، يا صديقي، نعود مع كل الطيّبين، لنضع سلاماً حقيقياً على أرض وطننا المعذّب والمشتاق لعودة العصافير والفراشات إلى سهوله وروابيه وجباله.
علّها، الضيعة التي أنجبتك مع ضيعتي وكل ضياعنا ومدننا، تعود بيادرها وحقولها وشوارعها إلى تلك "العجقات"، الى الحياة التي هي أقوى من الموت، الى المحبة والخير والصفاء، الى الينابيع هناك، حيث الحقيقة بحبّها الكلي، وعدلها الكلي، وجمالها الكلي.
واسلم معافى للحق والجهاد.
التلغراف، العدد 2006، 13/12/1989
**
شربل بعيني من روّاد أدب الحياة
الأديب والشاعر والممثل والمطرب هم أبناء بيئاتهم، ويتأثّرون بها تأثّراً كبيراً، ويتأثّرون بالحالة الراهنة الاجتماعية الاقتصادية ـ الروحية.
والفنان المبدع هو الذي يمتلك القدرة على الانفلات من الزمان والمكان، ليخطط حياة جديدة، ويرسم مثلاً عليا بديعة للأمة بأسرها، ولا يقدر على ذلك الأديب أو الشاعر الذي وقف عند حد الأدب والصور الجزئية التي تشتمل عليها صناعته.
فالشاعر إذن هو مرآة عصره، لا يقدر أن ينهض بالشعر والأدب، لأن هذا النهوض يعني ضمناً، النهوض بالحياة، وبالنظر الى الحياة.
هكذا تقوا الحقيقة في حكايتها الوجدانية التاريخية لجيلنا، ولأجيال لم تولد بعد.
إنه المطلب الأعلى الذي يعمل له الأحرار والمخلصون، ويسيرون على نور تعاليمه الرسولية الريادية باتجاه خلاص أبدي لمجتمعنا الحضاري المعذب.
من وحي هذا الموجز الخالد، أعتقد أن الشاعر شربل بعيني قيمة إنسانية، وطاقة إجتماعيّة جيّدة في مغتربنا. يصارع بوقفة عز هذا الشرّ المتربّص بنا، الحاقد علينا وعلى المثل العليا التي نتمسّك بها حتّى الشهادة..
فبحق دماء كل شهداء الحقيقة، شهداء الحياة الجديدة، شهداء القضيّة المقدّسة.. ومع صباحات شهر الفداء الذي كرّس نفسه شرطاً لانتصار شعبنا على كل المتآمرين عليه من الداخل والخارج.. وبحق كل هذه القيـم، إنني أرى هذا الشاعر يعمل بإخلاص، ويتأهّب ليكون من روّاد أدب الحياة في مغتربنا، ومن يعش يرَ.
أقول هذا، لأنني قرأت الكثير لشربل بعيني، فوجدته يكتب من أجل هدف وطني، وليس من أجل الكتابة فقط.
كتابته هادفة إذن، لأنها كتابة واعية مدركة. إنه في طريق أدبي نهضوي، يدفع هذا القارىء المغترب للتمسك بالتراث، وهذه من الميز الانقاذية الضرورية لمواطن الضعف في جالية تتخبط في فوضى الأفكار، وبلبلة الانتماءات التي تعيق فعل حقيقة غافية في أعماقنا. ويل لنا إن ماتت فنموت ونزول، إذا ما فجّرنا بأعماقنا فعل هذه الحقيقة الخالدة.
قرأنا في "الآثار الكاملة" وعرفنا أن الأدب المهجري، منذ نشأته الأولى، حمل هموم الوطن شعراً ونثراً، ورفع مشاعل النضال والاصلاح، وعبر عن آمال الأمة في الحريّة، وإن لم يضع لها أسساً علمية. إن ألأدب يلعب دوراً أساسياً في محاربة الجهل والخمول والرجعيّة، ونستطيع التأكيد أن أدب الاغتراب، رغم المحنة التي يعانيها، لا يزال أميناً لرسالته القوميّة، يحاول في حدود طاقاته أن يؤدي دوره التاريخي في إنعاش روح الأمل والتفاؤل، ولا يزال يؤمن بأمجاد الأمة، وبمصيرها العظيم، وان تكاثفت في سمائها الغيوم.
الأدب ينقسم إلى جيّد ورديء، وهذه حالة الشعر طبعاً، فشعر شربل بعيني جيّد لأنه هادف.
فإلى مزيد من العطاءات الطيبة والراقية يا شربل بعيني على طريق حياة شعبك ووطنك، فأنت ابن بيئة حضارية وشعب عظيم رفض الذل والعبودية، لأنه تعلم كيف يصنع التاريخ المجيد بوقفات عزّ مباركة، هي طريق الخلاص على رجاء القيامة والنهوض والاشعاع والريادة.. واسلم معافى في الصراع.
صوت المغترب، العدد 942، 25/6/1987
صدى لبنان، العدد 552، 30/6/1987
**