اليوبيل الفضي لشربل بعيني/ نجوى عاصي

صاحبة كتاب: الوهج الإنساني في مناجاة شربل بعيني

خمسة وعشرون عاماً من العطاء.
خمسة وعشروت عاماً، سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، ويوماً بعد يوم، يكتب، ينفعل، لنتفاعل معه. يروي لنا قصصاً وحكايات منا وإلينا.
تصادق شربل بعيني مع أحرف الهجاء، ليهجو بها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وسلطها سيفاً على رقاب الظالمين.
استبدل حبر قلمه بدم شرايينه، وجعل بين الكلمة والكلمة مسافة أقصر مما نتصوّر.
فتح أعيننا، وفجّر بشعره الوعي داخل انفسنا.
نادانا إلى المحبّة، لنسير معه إلى نافذة النور.
يوم الثامن عشر من كانون الأول 1993، سترفل الكلمة بثوبها الأبيض المرصّع بألف لون ولون، المزنر بآلاف النقط اللامعة بوميض المحبة. وستخطو الملكة بيننا بدلالها وكبريائها، باسمة، مبتهجة، ومرحّبة بمحبي الأدب.
في مهرجان الفضّة، سوف يحلو الاستماع، وسترقص الأحرف القمرية والشمسية، وتغني الأفعال الماضية والحاضرة، مترنمة بأحلام المستقبل، وستطير كان وأخواتها مرفرفة بأجنحتها تشدو مغردة بلحن الحياة.
في يوبيله الفضي، كلنا مدعوون، وكجالية عربية نعتز ونفتخر بالقدرات الأدبية الخلاقة، ونحيي أصحاب الأقلام الحرة، المنتجين، المعبرين عن آمالنا وأحلام غربتنا، ونعتز بكتابنا وأدبائنا وشعرائنا.
نعتز ونفتخر بالطيبين والخيرين اللاطائفيين، الذين سخروا أقلامهم وجهدهم وأموالهم في خدمة الحرف من أجل الإنسان.
فإلى اللقاء في السابعة والنصف من مساء الثامن عشر من كانون الأول 1993، في قاعة بلدية غرانفيل تاون هول ـ غرتنفيل.
البيرق، العدد 739، 9/12/1993
**
مسرحية ضيعة الأشباح
ليلة الجمعة الماضية اسعدتني الظروف لمشاهدة مسرحية "ضيعة الأشباح"، تأليف واخراج الاستاذ شربل بعيني، وتمثيل عدد يربو على الثلاثمئة تلميذ من مدرسة سيدة لبنان.
تبادر الى ذهني وانا ذاهبة لحضور العرض انني ساضحك طويلا لتصرفات الاطفال البريئة الفطرية، وحين وصولي رأيت الديكور الرائع الذي صممته الفنانة المبدعة رندى عبد الاحد، وعند اول لوحة رأتها عيناي جعلتني اثبت بمقعدي وحواسي كلها مشدودة، فلقد كانت معالجة القصة رائعة، فهي تتحدث عن المصيبة الكبرى، مصيبة لبنان في حربه التي حاكها ابالسة السياسة، وتم تفجيرها، ومع هذا التفجير تفجرت الحضارة ةالمدنية، وصودرت الحريات وحقوق الانسان، في أن يعيش بكرامة، خاصة وقد اختلط دمه بدم أخيه على اختلاف مذاهبهم.
ثم أعطتنا الدرس الخالد أن الذين استشهدوا يوم السادس من أيار لم يكونوا من طائفة واحدة، وان الحل دائماً ينبع من الشعب نفسه.
كذلك تروي لنا قصة الاستاذ شربل حقيقة الحرب اللبنانية الاساسية التي قد تناساها الشعب اللبناني، وتعلق بوهم من صنع خياله، ألا وهو "الأشباح"، وبالتالي، فقد حولوا الساسة الشعب عن حقيقة ما يجري من صراعات سياسية إلى أوهام الطائفية.
وقد جاء على لسان أحد جملة رائعة هي: "إذا قتلنا باشا بيطلع ألف باشا". العلة بالشعب، وان علينا أن ننصاع للمصلحة العامة، إذا كنا نحب الوطن حقاً.
وكانت صورة الهلال والصليب رائعة، لأنها تدعو لنبذ الطائفية، وكان هذا بلوحة ضرب "الشبح" بالهلال والصليب من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أي بالاتحاد بين الطوائف، وكما علمنا من سياق القصة ان الوطن كالسفينة إذا غرق غرق معه كل شيء.
رخاؤنا ورخاء وطننا لا يعود إى عندما تعود نوايانا التي تخالف ما نظهره من أعمال.
عندما يفتقد الانسان لغة الحوار والتفاهم، وتتحول اللغة إلى قتل ودم ودمار، تموت كل القيم والمثل، ويسود الفناء والموت. فهل يوجد حل؟
نعم، قدّمت لنا المسرحية الحل الذي يوقف الحرب، فالانسان اللبناني بحاجة إلى لغة حوار عصرية توقف حمام الدم، وتضع حداً للحرب الرهيبة، باعتبار أن لغة الحوار العصرية هي ابنة الحضارة البشرية، وان طريق الخير مخالف لطريق الشر، إذ أن طريق الشر يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من النزف البشري، بينما طريق الخير فيضع حداً للصراعات، ويحقن الدماء، ويكون بداية الطريق للبناء والهدوء والعيش بلا خوف.
هذا ما قدمته لنا القصة باختصار، وكنت بين الحين والآخر أجول بعينيّ لعلها تقع على شخص واحد من مهتمي المسرح، إن كان ممثلاً أو مخرجاً، أو ناقداً، ولكن للأسف الشديد لم أجد. كنت أتمنى أن يكونوا هناك ليتعلموا من هؤلاء الأحبة الصغار الاداء الطبيعي، والالتزام بالنص، واحترام المسرح. كانوا يقدمون أدوارهم ببراءة الطفولة العذبة، وبشخصياتهم الحقيقية، دون رتوش أو تمثيل. لذلك وجب عليّ أن أعترف بأنني تعلمت منهم الكثير، وكنت آمل من ممثلينا الكبار أن يشاهدوا ويتعلموا، أم أن العلم على كبر عيب، ولا يجب أن ننزل لمستوى هؤلاء الأطفال؟.
إنني أنحني احتراماً لهؤلاء الملائكة الصغار الذين استفدت من تجربة مشاهدتهم، ولأن الإهتمام بالمسرح شبه متلاشٍ، أو لنقل انه معدوم. ولأن المسرح المدرسي بالذات غير موجود، والتمسّك باللغة العربيّة أصبح عيباً عند البعض. ولأن الفنانين الكبار شغلوا أنفسهم بالقضايا والمنازعات الوهميّة، خرج من بيننا رجل شهر سيفه، واخترق الصفوف، وحمل لواء الفن المسرحي ولغة العلم، ذلك هو شربل بعيني.
فألف تحية لك يا شربل، وإننا ندعوك، بل ونحمّلك مسؤولية عدم كتابة النصوص المسرحية للكبار، التي نحن بأشد الحاجة إليها، فأنت مسؤول ما دمت قادراً على إعطائنا النصوص المسرحية. وإلى اللقاء في مسرحية أخرى، وإن لم أجد مكاناً سأقف مع الواقفين.
والجدير بالذكر ان المسرحية عرضت بمناسبة اليوبيل الفضّي للأخت الرئيسة كونستانس الباشا والاخت مادلين بو رجيلي بعد تكريمهما من قبل الكنيسة الكاثوليكية في بلاكتاون، في الخامس والعشرين من شهر حزيران المنصرم، فألف تهنئة لأخواتنا الراهبات ومدرستنا العامرة.
البيرق ـ العدد 221 ـ 6/7/1990
**